في عزّ الحرب في ​سوريا​، وتحديدًا في كانون الأوّل من العام 2014، وفي الوقت الذي كان فيه "​حزب الله​" مُنغمسًا بكل ثقله في المعارك العسكريّة إلى جانب النظام السوري، مُقابل تموضع "تيّار المُستقبل" بشكل واضح إلى جانب "المُعارضة" السورية آنذاك، عقد الطرفان أوّل جلسة حوار ثنائي برعاية رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، وذلك بهدف تخفيف التشنّج السياسي والتوتّر المذهبي وتنظيم الخلاف. وفي آذار 2017 عُقدت الجلسة رقم 41 بين مُمثّلين عن الطرفين، قبل أن تتوقّف هذه اللقاءات من دون تحديد أي موعد لجلسة مُقبلة. وفي الأشهر والأسابيع القليلة الماضية، عاد التوتّر السياسي والإعلامي بين "حزب الله" و"تيار المُستقبل" ليأخذ خطًا تصاعديًا لا يُبشّر بالخير. فما هي الأسباب التي أدّت إلى ذلك؟.

أوّلاً: رفض "حزب الله" إدراج بند "سلاحه" على جدول أعمال أي جلسة من جلسات الحوار الثنائي مع "تيّار المُستقبل"، على الرغم من مُحاولات هذا الأخير تناول هذا الشق في أكثر من مرّة، الأمر الذي أثار غضب "التيار الأزرق" الذي كان يأمل أن يُحدث ولوّ خرقًا طفيفًا في هذا الملفّ.

ثانيًا: راح "حزب الله" يتصرّف في الأشهر القليلة الماضية من موقع المُنتصر في الحرب السوريّة، رافضًا أي بحث بشأن سحب مُقاتليه من الأرض السوريّة وتطبيق سياسة "النأي بالنفس"، الأمر الذي ضاعف من خيبة "التيّار الأزرق" وجعله يشعر بافتقار جلسات الحوار للتوازن.

ثالثًا: تجاهل "حزب الله" كل نداءات ومُناشدات "تيّار المُستقبل" التوقّف عن التدخّل في شؤون الدول العربيّة وتحديدًا الدول الخليجيّة، وتابع حملاته السياسيّة والإعلامية على بعضها، لا سيّما على المملكة العربيّة السعوديّة، وُصولاً إلى التدخّل أمنيًا ولوجستيًا في أكثر من بلد في المنطقة، الأمر الذي شكّل ضربة قاسية لجهود "التيّار الأزرق" الذي حاول جرّ "الحزب" إلى سياسة نأي بالنفس من دون أن ينجح بذلك.

رابعًا: مُحاولة "حزب الله" جرّ ​لبنان​ والحُكم فيه إلى الوضعيّة التي كانت سائدة قبل العام 2005، لجهة إعادة العلاقات الثنائية والتحالف مع النظام السوري كأنّ شيئًا لم يكن، إضافة إلى مُحاولة تثبيت لبنان كعُضو في مُعادلة إقليميّة محورها ​إيران​ وتشمل سوريا وبعض الدول والجماعات السياسيّة والعسكريّة الأخرى في ​الشرق الأوسط​ ككل، الأمر الذي يعتبره "التيّار الأزرق" خطًا أحمر لا يُمكن القبول به، إن لجهة إعادة العلاقات مع الرئيس بشّار الأسد، أو لجهة مُعاداة الكثير من الدول العربيّة عبر الإلتحاق بالمشروع الإيراني للمنطقة.

خامسًا: تعرّض "تيّار المُستقبل" لانتقادات كبيرة في أوساطه الشعبيّة وبيئته الحاضنة بشأن جدوى إجتماعاته الثنائية مع "حزب الله" الذي لا يُقدّم أيّ تنازل ولو طفيف في أي ملفّ، في مُقابل تحوّل "التيار الأزرق" إلى شرطي مهمّته منع التعرّض للحزب من قبل مُناصريه وداخل أوساطه حفاظًا على السلم الأهلي.

سادسًا: تأكّد "تيّار المُستقبل" أنّ "حزب الله" ينظر إلى ​الإنتخابات النيابية​ المُقبلة بمنظار مُختلف تمامًا عن مُنظار باقي القوى السياسيّة في لبنان، حيث أنّه غير مُهتمّ-كما الكثيرين، بالحفاظ على زعامة مناطقيّة هنا وبزيادة عديد كتلة حزبيّة هناك وحفض إرث سياسي-إقطاعي هنالك، بل هو يُخطّط للحُصول مع القوى السياسيّة المُختلفة التي تدور في فلكه، على أغلبيّة نيابيّة واضحة في ​المجلس النيابي​ المُقبل، بهدف إحداث تغيير جذري في توازنات السُلطة السياسيّة في لبنان.

وبالتالي إنّ السبب الأساسي الذي أثار حفيظة "تيّار المُستقبل" من "حزب الله" يتمثّل في رغبة الأخير بإزاحة رئيس الحكومة الحالي سعدالحريري من منصبه بُعيد الإنتخابات، من خلال إفقاده العدد الكافي من النوّاب الذين سيُسمّونه، والعمل على إضعاف كتلة "تيّار المستقبل" قدر المُستطاع، إن عبر شرذمتها والرهان على تقاسمها الأصوات مع قوى أخرى على خُصومة سياسيّة مع "الحزب" أيضًا لكنّها على خلاف مع قيادة "المُستقبل" حاليًا، وإن عبر دعم القوى التي ستُواجه لوائح "التيّار الأزرق" لا سيّما داخل ​البيئة​ السنّية بشكل خاص، بهدف إبراز شخصيّات وتيّارات يُمكن أن تُستعمل كبديل يتمتّع بالحُضور الشعبي لتسلّم الحُكم بدلاً من "تيّار المُستقبل" أو من يُسمّيه هذا الأخير.

وفي الخلاصة، التوتّر السياسي والإعلامي بين "حزب الله" و"تيّار المُستقبل" مُرشّح للتصاعد في المرحلة المُقبلة، وحتى لو جرى العودة إلى ​طاولة الحوار​ الثنائي فإنّ هذا الأمر لن يكون كافيًا لوقف تدحرج كرة ثلج التوتّر– إذا جاز التعبير،حيث يُنتظر أن يكبر هذا التوتّر مع الوقت، وتحديدًا كلّما إقتربنا من موعد إجراء الإنتخابات النيابيّة العامة، لأنّ الخلاف لم يعد مُقتصرًا على تباين في النظرة السياسية وفي التموضعات والأحلاف الإقليميّة، بل يشمل مُحاولات لوضع اليد على الحُكم بشكل كامل، وتحجيم دور ونُفوذ تيارات وأحزاب أساسيّة ضمن المُعادلة اللبنانيّة.